إعلام الضفة 28-8-2022م
سنة، سنتان، عشرة، عشرون، ثلاثون وازدادوا أربعة، تمر على القلب المتعب والجسد المنهك، دون أن تنال من إيمانه المشتعل كاشتعال رأسه الأشيب، ولا من عزيمته الأصلب التي لم تنكسر أمام جبروت السنوات العجاف.
إنه الشيخ الأسير رائد السعدي، القادم من زمن السيلة الحارثية، ذلك الزمن المتجدد بالإيمان والوعي والثورة، فكانت السيلة على موعد معه في العشرين من شباط عام 1966م، ليبصر النور على وقع الهزيمة الكبرى في حزيران 1967م.
تربى على حب فلسطين، وبينما كان لا يزال طالباً في مرحلة الثانوية، كان اعتقاله الأول على يد قوات الاحتلال، حيث كانت تهمته تزيين قريته بأعلام فلسطين، فكان وسام شرف يستحقه في بدايات مشواره على خطى الجهاد والمقاومة.
وحين أنهى الثانوية العامة، قرر الالتحاق بجامعة الخليل، إلا أن الاحتلال حال دون تحقيق حلمه، كما منعه من إكمال دراسته في الجامعة العبرية داخل السجون، إلا أن شرف المحاولة تكلل أخيراً بالتخرج من جامعة القدس المفتوحة في تخصص التاريخ، ليسبق ذلك تمام النعمة عليه بحفظ القراَن الكريم كاملاً.
اتخذ من الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي معلماً وملهماً، وعرفته جنين بطلاً للمواجهات، وبارعاً مشهوداً في ضرب "المولوتوف" التي مثلت مصدر إزعاج لجنود الاحتلال الذين طاردوه وطلبوه حياً وميتاً مدة عامين كاملين، حاول فيها الاحتلال الضغط عليه لتسليم نفسه، فقد اعتقلت والده ووالدته لمدة أربعة شهر، واعتقل أخوته بهدف مساومته على تسليم نفسه، واقتحام البيت عشرات المرات والاعتداء على أهله والتهديد بقتله إلا أن نفس الحر تأبي الذل والهوان.
خطط وشارك في تنفيذ عمليات نوعية وتطوير العمل المقاوم الذي كان معتمداً على المواجهات الشعبية والسلاح الأبيض، حيث تمكن من صناعة المتفجرات اليدوية، وشن العمليات ضد معسكرات الاحتلال والذي أدت لمقتل جندي وإصابة 19 اَخرين.
وفي الثامن والعشرين من أغسطس عام 1989م، وأثناء زيارته لأهله لبضع دقائق بعد غياب واشتياق طويل، باغتته قوة صهيونية خاصة، مدعمة بأرتال من الاَليات العسكرية التي ضربت حصاراً حول مسجد البلدة الذي تحصن به رائد، وهو مسلح بشجاعته وقنابل المولوتوف التي أمطرها على جنودهم، إلا أن المعركة انتهت تمكنت باعتقاله، وإخضاعه للتحقيق الوحشي لمئة يوم، ثم اصدرت محكمة الاحتلال حكماً بالسجن المؤبد مرتين وعشرين عاماً بتهمة المقاومة وتنفيذ عمليات بطولية.
إنه شيخ أسرى الجهاد الذي فقد العديد من أهله وأحبابه، حيث فقد شقيقه عماد في 2010م، وأمه عام 2014م، والذي أصدر روايته الأولى خلال العام الجاري 2022م، بعنوان "أمي مريم الفلسطينية"، لتكون رسالة إلى أمه التي انتظرت حريته، فتجرع الحسرة والحزن وحده، حيث يقول في روايته: "ماذا أفعل أنا؟ والدتي تموت وأنا جالس لا أستطيع فعل شيء، ولا حتى تقبيلها ووداعها، ولا حتى البكاء عليها (..) ثم طلبت من أخي أن يضع جهاز الاتصال بالقرب من أذن أمي لأودعها، دعوت الله، طلبت منها مسامحتي لغيابي عنها كل هذه السنين وتقصيري بحقها، طلبت رضاها وعفوها".
تعليقات
إرسال تعليق